جعل المجهود التعليمي بلا جدوى وبمثابة صبّ الماء على الرمال.. « الـغـش » عبث بالحاضر.. اغتيال للمستقبل..!!

 
أسبـاب عـدة تقف وراء استفحـال هـذه الظاهـرة المهدّدة لمستقبل جيـل ووطـن؛ ما مـن عـام يأتي إلا وتأتي معه أساليب وابتكـارات جديـدة في «فن التغشيش» تأخـذ الكثيـر من جهد ووقت طلاب «كُسـالى» لم يعطوا مـذاكـرة الدروس أيّ اهتمام؛ الغش بصريح العبـارة صار اليـوم أمـراً عادياً يفعله الجميع ولا يعترض عليـه أحـد، وظاهرة اجتماعيـة خطيـرة وسرطاناً يهـدّد حركـة وتقدّم الأمة، لقد أصبح عُرفاً أرعن، وثقـافـة هوجـاء تنكّرت ببجاحة لأخلاقنا وقيمنا السمحـة، وعلى الجميع أن يـُدرك أن مُستقبـل الأمة كالبنيان إن بني على أُسس مغشوشة سريعاً مـا ينهار على رؤوس أصحابه..!! 
 
أكثـر فـعـالية 
 
 ها هي الامتحانات الوزارية لشهادتي الإعدادية والثانـوية العامة قد بدأت، المشهد ذاته يتكرّر لأناس خارج الأسوار ربما فاق عددهم الطلاب الممتحنين أنفسهم، من الدقيقة الأولى تتسرّب الأسئلة فتتوارد الإجابات على الفور، جميع من في الخارج مُستنفر يعملون كخلية نحل دون توقف، الكل يريد أن "يَتَجمّل" مع «ابنه، ابنته، أخيه اخته..» حتى «الطـارف». 
 
- صارحني أحد الزملاء أن أباه عاتبه يوماً ما ـ قائلاً له ـ "أنا اللي ربّيتك ودرّستك وغشيت لك.." حينها صارحته ـ أقصد زميلي ـ «يا سلام ونعم التربية!». 
- الدكتور رياض أحمد ألقى باللوم على المدرّسين؛ فهم باعتقاده قادرون على اجتثاث هذه الظاهرة إذا توقفوا عن ممارستها أصلاً..؟!. 
- سألته كيف..؟! 
 فأوضح الصورة أكثر بهذه التساؤلات الصريحة: أليست عمليات الغش المنظّم تتم والمدرسون الملاحظون يتفرّجون، يشرفون فقط على مرور الإجابات، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم أحدهم بكتابة الإجابة النموذجية فوق السبورة؟! 
 
قـدوة سيئة 
 
 يضيف رياض: وليس هذا فحسب فخارج اللجان الإمتحانية ـ حيث "البراشيم" المتطايرة ـ يقف طابور طويل من المدرسين المُتخصصين يمدّون الطلاب بإجاباتهم النموذجية، والأشد والأنكأ من ذلك - حسب رياض - ما يحصل في بعض مدارس المدن الكبيرة، حيث يقوم مدراء تلك المدارس بتسهيل وتنظيم عمليات الغش وجعله أكثر فعالية ـ بحجة أن تكون أو تستمر مدارسهم أو «مدارسهن» إن صح التعبير في صناعة وتصدير أوائل الجمهورية! 
 
- وأردف رياض: أيّ عبث هذا الذي يمارسه هؤلاء بحق رجالات المستقبل، أية قدوة سيمثلها هذا المدرس الذي بقي طيلة عام دراسي كامل يعلّم تلاميذه الصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، وفي النهاية أتى يعلّمهم الغش وشهادة الزور. 
 
- وختم رياض حديثه بهذه العبارة: المعلم على مر العصور هو المحور الرئيسي وحجر الزاوية لبناء المجتمع وبصلاحه تصلح العملية التعليمية والمجتمع، وكلامي السابق أعني به أناساً أساؤوا إلى هذه المهنة السامية، قد يكونون قليلين ولكن السيئة في النهاية تعم. 
 
مجرد تعاون 
 
يعتقد عبد العزيز عبد الوهاب- مدير مدرسة- أن الغش تفشّى في أوساط الطلبة، وأن أغلب الطلبة كُسالى لم يعودوا يعتمدون على مجهوداتهم في الاستعداد للامتحانات، وإنما أصبحوا يعتمدون على أساليب الغش والخداع والتحايل من أجل نقل معلومة من المعلومات بطرق يرونها سهلة ولا تكلفهم عناء الكد والجد والسهر وطلب العلم بطرق مرهقة. 
 
- ويضيف عبدالعزيز: يمكن القول إن الغش نظراً لاستفحاله أصبح من أخطر الظواهر الاجتماعية، لأنه يهدد العمل التعليمي والتربوي وينخره من الداخل، كما يهدد مصير الأجيال ومصير الأمة ككل، بل إن الغش يجعل المجهود التعليمي للدولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم بمثابة صبّ الماء في الرمال، ويجعل العملية التعليمية تدور في حلقه مفرغة. 
- وأردف عبد العزيز: ويؤدي الغش كذلك إلى إعداد وتخرج طلبة ليسوا مؤهلين، بمعنى أن مخرجات التعليم ستكون لا شيء. 
 
- واستغرب عبد العزيز من الطلبة الذين يرون أن الغش هو مجرد تعاون لأجل النجاح، وأنهم من باب الصداقة يساندون بعضهم بعضاً، معتبراً أن ذلك يعبر عن تراجع خطير في القيم خاصة قيمة طلب العلم والسعي في سبيله، والكد والسهر من أجله، انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " طلب العلم فريضة.." وقوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ولهذا يجب تأطير طلبتنا وناشئتنا على القيم الإسلامية الرفيعة التي تدعو إلى الصدق والتعفف عن الدنايا، وتتربى على القيم الأخلاقية والوطنية الرفيعة.. 
 
أي مستقبل ينتظرنا 
 
 يشاركه الرأي الطالب الجامعي مروان مهيوب نصر الذي أكد أن الغش سبب بارز لعدم تقدم الأمم، لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب المتعلم فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش فماذا سينتج هؤلاء الطلبة الغشاشون، ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم؟ ماهو الدور الذي سيقومون به..؟! 
 ثم يجيب مروان عن تساؤلاته بالطبع لن يقدم شيئاً ولن يفكر حتى في ذلك..!! 
وأضاف: إن الغشاش غداً سيتولى منصباً أو يكون معلماً وبالتالي سوف يمارس غشه للأمة بل ربما علّم طلابه الغش وربما السرقة والخداع والكذب. 
 
شخصية اتكالية 

 
 أما يحيى عبد الناصر فيرى أن بظهور الغش ضاعت الأمانة والحقوق، ولم نعد نرى الاتقان في العمل، بل أصبح الكذب والخداع هو السائد في المجتمع، ولهذا فإن الثقة بين الناس مفقودة في كل مكان في السوق أو العمل.  
- ويضيف: الغشاش أولاً وأخيراً يخدع نفسه وربما مستقبلاً يعاني من صعوبة التعليم الأكاديمي وهذا من شأنه أن يضفي عليهم شعوراً بالدونية ويكوّن لديهم شخصية اتكالية فلا ينجح في حياته، وتكون الكارثة عندما يصطدم بواقع حازم يحول دون لجوئه إلى أسلوب الغش. 
وتمنى يحيى على وزارة التربية والتعليم أن تلغي امتحانات الشهادة العامة وتجعلها مثل اختبارات النقل التي يعتقد أن فيها تشديداً على الطلاب أكثر من امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.. 
 
التنشئة الخاطئة 
 
 تارة تتجه الأسباب والمعالجات صوب الأسرة، وتارة صوب المجتمع والنظام التعليمي برمّته، وحين بدأت البحث والتقصّي تكشّف لي الكثير، ولو كتبت كل التفاصيل ما كفاها كتاب..؟! 
- محمود محمد سعيد ـ مدرس علم نفس ـ أورد: التنشئة الخاطئة كسبب بارز لا يمكن تجاهله، وهي حسب توصيفه تبدأ من عدم نهي الصغار عن التعدّي على ممتلكات الآخرين، والواجب على الأسرة في هكذا حالة أن تهتم بتنشئة أطفالها تنشئة سليمة، ومراقبة ما يصدر عنهم من أخطاء وممارسات سلبية لتصحيحها وتشجيعهم على الصدق والأمانة والوفاء بالعهد. 
 
- محمود غفل عن ذكر خصوصية شنيعة تنفرد بها بلادنا؛ فالآباء والأمهات أشدّ حرصاً على نجاح أبنائهم في الامتحانات وبأيّ ثمن، فهم في البدء يغدقون أموالهم في كرم غير مسبوق، إما تكاليف ضيافة وإقامة للجان الامتحانية في الأرياف، أو لغرض تصوير "البراشيم" هنا في المدن. 
 
عقوبات صارمة 
 
حلّاً لهذه القضية يرى الأخصائي الاجتماعي يوسف عبد الباقي أنه لابد من تنمية الوازع الديني لدى الأطفال والشباب، وتوضيح مخاطر الغش عليهم بالدرجة الأولى وعلى مجتمعهم بالدرجة الثانية كأمر هام جداً، كما أشار إلى أهمية وجود القدوات الحسنة فلا يلجأ الأب أو المدرس إلى تشجيع الطفل على الغش ولو بطريقة غير مباشرة، كما أن رفع وعي الطلاب بأنفسهم وإمكانياتهم العقلية والمعرفية وميولهم العلمية منذ وقت مبكر أمر في غاية الأهمية. 
- وأضاف يوسف: إنه لابد من وجود عقوبات صارمة تطبّق في المدارس أو الجامعات على الطالب الذي يغش، ومتابعة الطلاب طوال العام الدراسي من خلال الامتحانات الفصلية والمراجعة المستمرة بحيث لا تتراكم عليهم الدروس. 
 
شهادة زور 
 
 الشيخ علي القاضي يقول في هذا الجانب: نحن مأمورون بالتعاون على البر والتقوى ومنهيّون عن التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، والرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن الغش بكل صوره وأنواعه في كل الأمور صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها ونفر منه تنفيراً فقال «من غشّنا فليس منا». 
 
- وأضاف الشيخ القاضي: الغش شرعاً حرام وقبيح، وحرمته أشد إذا كان على مسمع ومرأى من الكبار أو نتيجة إهمال وتقصير في المراقبة، أو بسبب غض الطرف عن مقترفيه، أو التساهل في عقوبة من يمسك متلبساً بذلك، بأية صورة من الصور، هي شهادة زور وعلى حاملها إثم شاهد الزور، ومن ثم فإن أية وظيفة ينالها أو كسب مالي يحصل عليه نتيجة تلك الشهادة المزورة فهو حرام، كما أن الطالب الذي يغش قد اقتطع حق غيره من المسلمين وهو أيضاً خائن ظالم لنفسه. 
 
- كما نصح الشيخ القاضي الدعاة والتربويين وأهل الإصلاح والشرفاء والوجهـاء بمحاربة هذه الظاهرة حتى تعود الأمور إلى مجاريها وتصبح طبيعية على الفطرة السليمة، ويتعوّد الناس على الصدق والأمانة والحرص على أداء الحقوق والواجبات، والقيام بالمسئولية على أكمل وجه، حتى ينشأ الأبناء على الصدق والأمانة والآداب والأخـلاق الفاضلة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
*الجمهورية نت
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< " اليوم برس " ينشر السيرة الذاتية مع الصور - لكلاً من محافظ عمران محمد صالح شملان ومحافظ إب القاضي يحيى الإرياني
< صدور قرار جمهوري بتعيين محافظين لمحافظتي إب وعمران ( الأسماء )
< عضو اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بعمران الشيخ/ عبدالرحمن الصعر يتحدث عن خروقات الحوثيين وأداء اللجنة
< إجراءات قانونية بحق أي مدرسة أهلية لم تسلم أرقام الجلوس لطلابها بحُجة عدم إستيفاء الرسوم
< ( النوبة ) الرقم الصعب في المصالحة المرتقبة
< بمشاركة رسمية واجتماعية من داخل وخارج اليمن .. مؤسسة آية تحتفل بتخريج 109 حافظا وحافظة لكتاب الله الكريم بمحافظة ذمار
< الفلكي اليمني الجوبي يتوقع أن يكون يوم السبت 28 يونيو أول أيام شهر رمضان المبارك

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: