في ترويض الوحش..

 
مشكلة الجماعات المؤدلجة ومنها الدينية هي ليس في ممارستها للأخطاء، مع أنها تفعلها أكثر من غيرها، وإنما في قدرتها الفائقة على تبريرها، فوهم الأيدلوجيا يبرر أي خطأ كان.
 
مثل هذا السلوك هو بالغ الضرر طبعا في المجتمعات التي يتواجد بها، غير أن أكبر المتضررين به هو من يمارسه.
 
فتلك الجماعات وهي تجد لكل أفعالها السيئة منها والجيدة التبريرات الكافية من وجهة نظرها، هي تفقد القدرة أيضا _تحت تأثير هذا السلوك والأيدلوجيا ككل_ على تفسير الأحداث على نحو موضوعي وعلمي، فالانتصارات والهزائم عند الجماعات الدينية مثلا هي نتيجة لفكرتين رئيسيتين عندهم، تمكين الله وابتلاءه.
 
وحين لا يعرف من ينتصر لماذا انتصر هو لا يعرف أيضا كيف يتجنب الهزائم. ربما هذا ما يفسر صعود الجماعات الأيدلوجية السريع وسقوطها السريع أيضا.. ما سبق هو ينطبق تماما على جماعة الحوثي الصاعدة على أوهامها الآن وهي تسيطر على العاصمة عسكريا، فتلك الأوهام هي من ستذهب بها إلى القاع أيضا، فهي كجماعة مؤدلجة قد لا تجد التفسير الموضوعي والعلمي لما حدث، غير تمكين الله ونصره لأوليائه، لكن الله كثيرا ما يتخلى عن أوليائه، يفعل ذلك ولا يبالي..
 
هي ربما لا تدرك أن ثمة فراغ في النظام السياسي هو من دفعها إلى أن تملأه عسكريا، فنظام الغلبة الذي كان والذي كان له مصلحة في منعها من ذلك هو كان قد سقط في 2011، بقاءه كفريقين متخاصمين هو لا يعني أنه كان لا يزال قائما، كما أن نظام غلبه آخر لم يحل محله ليقوم بالمهمة عنه، وذلك النظام الديمقراطي الذي يمثل مصلحة الجميع هو أيضا لم يكن قد تشكل بعد، نظام التوافق السياسي هو نظام لا أحد ولن يكون لأحد مصلحة في القتال للإبقاء عليه.
 

لم يكن ذلك سرا، وكان المحللون المحترفون يضعونه على رأس مخاوفهم من تداعيات الحدث في 2011. إن لم تكن الجماعة واعية عميقا بهذه الفكرة، كتفسير لصعودها، هي لن تكون مؤهلة لبلورة الأفكار التي تمكنها من الحفاظ عليه، ولن يكون هناك غير المزيد من الأوهام فيما تنتجه.
 
أمامها الآن مسلكان، إنتاج نظام سياسي يقوم على الغلبة كالذي كان تحت نشوة الانتصار، حيث يمثل السلاح وحده شرعية الصعود والبقاء. إلا أن زمن مثل تلك الأنظمة كان قد انتهى فعليا في 2011، إنتاج نسخة أخرى منه، هي ستكون أكثر رداءة وحتمية السقوط.
 
المسلك الثاني هو أن تنسحب كظاهرة مليشاوية مسلحة لصالح سلطة الدولة وتفعل من خلالها سياسيا، ذلك قد لا يجعلها السلطة الوحيدة في البلاد، إلا أنه يجعلها أحد الأطراف المؤثرة في تأسيس النظام السياسي المستقبلي والفاعلة فيه لمدى طويل، تكسب بالسياسية وان تخسر هي تخسر بالسياسة أيضا.
 
سلوك الجماعة الآن، وهي لا تزال تنتج ذات الأوهام التي بررت بها لنفسها استباحة العاصمة والدولة ونهب جيوشها ومؤسساتها الحيوية، إضافة إلى بعض منازل الخصوم، وقمع الأصوات العاقلة من داخلها التي تنتقد ذلك كعلي البخيتي وتسفيههم، هو لا يؤشر على أن السلوك الثاني هو الخيار المفضل للجماعة.
 
ستذهب بعيدا في أوهامها، وهي تفعل ذلك تكون تذهب إلى سقوطها أيضا. قد يسعد هذا الكثيرين، ما لا يعرفونه ربما أن هذا سيكون مكلفا كثيرا لنا كيمنيين، فالمجتمعات تدفع ثمن صعود الأوهام و ثمن سقوطها أيضا.. لا أحد يحب العيش مع الوحش، إلا أن ترويضه حتما، إن كان ممكنا، هو لن يكون بأسوأ من القتال معه..
 
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< في أول تصريح له منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء .. اللواء علي محسن ينتقد ممارسات الحوثيين في العاصمة ويقول إنها تمثل شريعة الغاب
< انتهاكات الحوثيين لا تستثني أحداً : اقتحام ونهب للمنازل والمقرات
< سعود الفيصل للعالم : الوضع اليمني خطير
< " اليوم برس " ينشر النص الكامل لخطاب الرئيس هادي الذي وجهه الليلة لأبناء الشعب اليمني في الداخل والخارج ( نص الخطاب)
< حقيقة النفق الذي تم العثور عليه والممتد من مقر " الفرقة الأولى مدرع - سابقا" إلى جامعة العلوم والتكنلوجيا - كما ترويها إدارة الجامعة
< انتهاء مهلة اختيار رئيس الوزراء والحوثيون مستمرون بإقتحام المنازل
< إتفاق شامل بين حماس وفتح حول إدارة غزة

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: