مجلس حضرموت الوطني : خطوة استراتيجيَّة أم ردَّة فعل تكتيكيَّة؟

 
لطالما تمتَّعت محافظة حضرموت في شرق اليمن بهويّةٍ إقليميَّة متميِّزة. وقد أكدت الخطوات الأخيرة، بما في ذلك التوقيع على ميثاق الشرف الحضرمي وتشكيل مجلس حضرموت الوطني، تطلُّعات مكوِّنات الطيف الحضرمي إلى مزيدٍ من التمكين والحكم الذاتيِّ في ظلِّ احتدام المنافسة والتنازع على المستويَيْن المحلي والإقليمي.
 
في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعلن رئيس الهيئة التأسيسيَّة لمجلس حضرموت الوطني، بدر باسلمة، عن خطوةٍ مهمَّة في هذا المسار، تمثَّلت في تشكيل هيئة رئاسة المجلس بقوام 23 عضوًا، والانتهاء من إعداد الوثائق التنظيمية الداخلية الخاصَّة به. وجاء ذلك بعد خمسة أشهرٍ تقريبًا من اختتام المحادثات بين المكوّنات الحضرميَّة، التي استضافتها الرياض في حزيران/يونيو 2023، وأعلنت على إثرها مجموعةٌ من الشخصيَّات المحليَّة البارزة عن ميثاق الشرف الحضرمي لدعم التطلُّعات المحليَّة، وأكَّدت عزمها على إنشاء مجلس حضرموت الوطني. واستمرَّت مشاورات الرياض، التي عُقدت بدعوةٍ من المملكة العربيَّة السعوديَّة، لمدَّة شهرٍ تقريبًا، امتدَّت من أواخر أيَّار/مايو إلى أواخر حزيران/يونيو، وضمَّت مُختَلَف فئات الطيف الحضرمي من سياسيِّين ومسؤولين عسكريِّين ومثقَّفين وشيوخ قبائل وشخصيَّات اجتماعيَّة. وهدفت المشاورات إلى بلورة موقفٍ حضرميٍّ موحَّد قبل محادثات السلام الشاملة، وتناولت مستقبل المنطقة وسط تزايد التنافس بين القوى الإقليمية.
 
تؤكِّد هذه الخطوات الأخيرة على التطلُّعات الحضرميَّة إلى التمكين، تحت شعار "حضرموت أوَّلًا". بيد أنَّ الجهود المبذولة لإنشاء منصَّةٍ إقليميَّةٍ شاملةٍ تأتي على خلفيَّة المنافسة المتزايدة من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي ومشروعه الانفصاليِّ، والتباين بين الرؤى والطموحات السعوديَّة والإماراتيَّة. وفي حين أنَّ الافتقار إلى المشاركة والتوجُّه الاستراتيجيَّين في اليمن يبدو سمة دائمة في سياسة زمن الحرب الداخليَّة وتدخُّلات الأطراف الإقليميَّة في اليمن، لم يواجه مجلس حضرموت الوطني بعد اختباره الأول على الأرض.
 
حضرموت أوَّلًا :
صدر ميثاق الشرف الحضرميُّ في حزيران/يونيو 2023، ووقَّعت عليه 86 شخصيَّة حضرميَّة. أعطى الميثاق الأولويَّة لـ"مصلحة حضرموت العليا" مُقدَّمةً على كافَّة المصالح الفئويَّة والحزبيَّة والشخصيَّة؛ وكلَّف هيئةً برئاسة وزير النقل السابق باسلمة بصياغة الدستور وإعداد مسوّدة بهيكليَّة المجلس في خلال شهرَين؛ وشدَّد على أهمية وحدة الصفِّ والقرار الحضرميِّ. ولكنْ، تأخَّر الإعلان عن هيئة رئاسة المجلس وهيكليَّته لمدَّة ثلاثة أشهر، فأتى بالتزامن مع دخول المحادثات السعوديَّة-الحوثيَّة مرحلةً متقدِّمةُ، وفقًا للتقارير. ومن المتوقَّع أن يشكِّل مجلس حضرموت الوطني هيئةً عليا تضم 351 عضوًا ويستكمل العمل على هيكليَّته.
 
وفي حين أنَّ مجلس حضرموت الوطني لا يحلُّ مكان الحركات الحضرميَّة القائمة، بل يسعى إلى العمل التنسيقي الجامع لطموحات كافَّة فئات الطيف الحضرميِّ، تشير الاستقالة الفوريَّة للشيخ عمرو بن حبريش، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، من هيئة رئاسة المجلس إلى ضرورة عقد مشاوراتٍ منتظمة لكسب تأييدٍ محلِّيٍّ أكبر. يشمل أعضاء مجلس حضرموت الوطني مسؤولين سابقين معروفين (مثل سعد الدين بن طالب)، وشيوخًا ذوي نفوذ (الشيخ يحيى باجري)، وأكاديميِّين (عبد القادر بايزيد وفهمي فرارة)، ويُلاحَظ استبعاد بعض الشخصيَّات السياسيَّة والقبليَّة. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنَّ شعار "حضرموت أولًا" ليس جديدًا. إذ سبق أن أجرى الشيخ يحيى باجري مشاوراتٍ مع الشبكات الاجتماعيَّة والسياسيَّة الحضرميَّة في وقت سابقٍ من العام 2023، حتَّى إنَّه أعلن عن ميثاقٍ منفصلٍ مماثلٍ في منتصف شهر أيَّار/مايو؛ لِتُفضي كلُّ هذه الجهود إلى إثراء ميثاق الشرف الذي تمَّ توقيعه في حزيران/يونيو.
 
تنبع أهمية حضرموت من أُسُسِها الثقافيَّة والتاريخيَّة والاقتصاديَّة والجغرافيَّة الغنيَّة. ففي الماضي، كانت المنطقة موطنًا لدولٍ مستقلَّةٍ، مثال مملكة حضرموت (من سنة 1100 قبل الميلاد حتَّى القرن الثالث الميلادي)، وأصبحت في العصر الحديث المحافظة الأكبر في جمهوريَّة اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة (المعروفة أيضًا باسم "اليمن الجنوبي") كما في الجمهورية اليمنيَّة الموحَّدة. تحتلُّ المحافظة أكثر من ثلث (36%) مساحة الجمهورية، ولديها حدود مشتركة مع المملكة العربيَّة السعوديَّة تفوق 600 كيلومتر، وتُعَدُّ المُنتِجَ الأكبر للنفط في البلاد منذ اكتشاف آبارٍ إضافيَّةٍ في التسعينيَّات. قبل احتدام النزاع في العام 2014، كانت المحافظة تنتج ما لا يقلُّ عن 104 آلاف برميل يوميًّا من النفط، ما يشكِّل أكثر من خُمس إجمالي إنتاج اليمن الذي يصل إلى 470 ألف برميل يوميًّا تقريبًا. وفي السنوات الأخيرة، إلى حين فرض الحوثيِّين حظرًا اقتصاديًّا على منشآت تصدير النفط والغاز في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، أسهمت حضرموت بأكثر من نصف إنتاج الحكومة الذي يتراوح بين 50 ألف و60 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام القابل للتصدير.
 
من الناحية الزراعيَّة، تضمُّ مناطق ساحل ووادي حضرموت أراضي خصبة تُنتِج القمح والشعير والتمور والحمضيَّات، وتدعم إنتاج الغذاء المحلِّي. وتتمتَّع المحافظة أيضًا بقطاع صيد أسماك نشِطٍ، نظرًا لموقعها على طول بحر العرب، ما يوفِّر سبل العيش للسكَّان وقاعدةً للشركات العاملة في مجال التصدير. تُعتبَر المكلا المدينة الرئيسة في المنطقة الساحليَّة، في حين أن سيئون وتريم هما المدينتان الرئيستان في الوادي. ويأوي الخطُّ الساحلي للمحافظة أيضًا عددًا من الموانئ الرئيسة، من بينها ميناء الشحر الذي يُعَدُّ من بين الموانئ الثلاثة الرئيسة في اليمن لتحميل سفن النفط الخام. ولطالما سهَّل موقع حضرموت بين المملكة العربيَّة السعوديَّة وعُمان، وإطلالتها على بحر العرب والمحيط الهندي، التبادل التجاري والثقافي في شبه الجزيرة العربيَّة وشرق إفريقيا وجنوبي شرقي آسيا وغيرها من المناطق. ويُقدَّر عدد الشتات الحضرميِّ بنحو 14 مليون نسمة، يقيم معظمهم في دول الخليج وشرق إفريقيا وجنوبي شرقي آسيا، ووصل بعضهم إلى مناصب بارزةٍ فأصبحوا وزراء ومحافظين وقادة أعمال. أمَّا في ما يتعلَّق بالديانة، فتتميَّز حضرموت بحضورٍ صوفيٍّ كبيرٍ في تريم، حيث يواصل آلاف الطلَّاب الأجانب دراستهم حتَّى اليوم، كما تبيَّن لكاتب هذه المقالة في خلال رحلته إلى هناك مؤخرًا. وبفضل الثقل الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ والسياسيِّ والثقافيِّ الذي تتمتَّع به محافظة حضرموت، إلى جانب حجمها الجغرافيِّ، فهي تحظى بأهميَّةٍ استراتيجيَّةٍ، خاصَّةً للسيطرة على جنوب اليمن.
 
مجلس حضرموت الوطني: السياق والدوافع :
شُكِّل مجلس حضرموت الوطني على خلفية تنافسٍ متزايدٍ على المستويَين الإقليمي والمحلي. فعلى الصعيد الإقليمي، تعكس الخطوات السعوديَّة الأخيرة في شرق اليمن سياستها الطويلة الأمد في حضرموت، ولكنَّها تُظهِر أيضًا التباين في الآراء بين السعوديَّة والإمارات حول عددٍ من الملفَّات الرئيسة، بما في ذلك اليمن. إذ تَعتَبِر المملكة العربيَّة السعوديَّة أنَّ الحفاظ على نفوذها على امتداد حدودها المشتركة الطويلة مع حضرموت ضرورةٌ استراتيجيَّةٌ، تعود أهميَّتُها لأسباب تتعلَّق بالجغرافيا والعمق الاستراتيجي والعلاقات بين الناس والثقافة والتاريخ والتجارة والجغرافيا السياسيَّة.
 
أمَّا على الصعيد المحلِّي، فيتمتَّع الحضارم بحسِّ انتماءٍ قويٍّ لهويَّتهم المحليَّة ويتطلَّعون إلى حكمٍ ذاتيٍّ، كحدٍّ أدنى، خارج هيكليَّة الدولة الحاليَّة، سواء في شكلها الحالي أو كما كانت عليه في ظلِّ جمهوريَّةِ اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة. يهدف مجلس حضرموت الوطني إلى توحيد مجموعةٍ واسعةٍ من الحركات الحضرميَّة التي تسعى، على الأقل، إلى قدرٍ أكبر من الحكم الذاتي وحصَّةٍ عادلةٍ من الموارد والسلطة. وقد أتى إعلان تشكيل المجلس في وقتٍ يقوم فيه المجلسُ الانتقاليُّ الجنوبيُّ بتوسيع حضوره ونفوذه؛ إذ دعا الأخير إلى الانفصال ونظَّم مؤخَّرًا حوارًا جنوبيًّا أدَّى إلى توطيد سلطته وانضمام عددٍ من شخصيَّاتٍ من الحركات الجنوبيَّة الأخرى إلى صفوفه، بما في ذلك عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني، محافظ حضرموت السابق، الذي تمَّ اختياره وتعيينه نائبًا للرئيس.
 
داخليًّا، يشير تشكيل مجلس حضرموت الوطني إلى تنامي الاستياء من تطلُّعات المجلس الانتقاليِّ الجنوبي للتوسُّع شرقًا، ومن مشروعه الانفصاليّ الأوسع، الذي يهدف إلى العودة إلى جمهورية اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة واستعادة حدودها كما في الفترة ما بين 1967-1990. كذلك، تستند مطالب الحضارم بالمزيد من الحكم الذاتيِّ والتقاسم العادل للسلطة وتوزيع الثروة، إلى مظالم تاريخيَّة مزمنة، سواء في ظل الجمهورية الحاليَّة أو في حقبة جمهورية اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة وما قبلها. وقد تفاقمت هذه المظالم نتيجة أربعة عوامل رئيسة برزت في الآونة الأخيرة: أولًا، النهج الذي اعتمده المجلس الانتقالي الجنوبي في قيادته للحوار الجنوبي؛ ثانيًا، وصول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، العضو في مجلس القيادة الرئاسي أيضًا، إلى المكلا على رأس قافلةٍ عسكريَّةٍ كبيرةٍ في 18 أيَّار/مايو 2023؛ ثالثًا، قرار عقد الجلسة السادسة للمجلس الانتقاليِّ الجنوبي في المكلا بغض النظر عن مستوى التأييد؛ رابعًا، نشر الجماعات المسلَّحة الموالية للمجلس الانتقاليِّ الجنوبي على طول ساحل حضرموت وفي الوادي. وأعاد هذا الانتشار المسلَّح إحياء الشعور بعدم الأمان والمظالم القديمة في المناطق الواقعة أقصى شرق حضرموت حيال قضايا مثل العنف السياسي الذي مارسته جمهورية اليمن الديمقراطيَّة الشعبية أو تأميم الأصول. فضلًا عن ذلك، فإنَّ الاحتجاجات والتحرُّكات الصغيرة التي نظَّمها المجلس الانتقاليُّ الجنوبي مؤخرًا في المهرة والمكلا وسيئون، بالإضافة إلى انتقادات الصحافيِّين الموالين للمجلس الانتقاليِّ الجنوبي لمجلس حضرموت الوطني، أدَّت إلى تدهور الوضع، وأظهرت أنَّ احتمال التصعيد العسكري وارد ما لم يُعالج الوضع بعنايةٍ من خلال الحوار. ويأمل المجلسُ الانتقاليُّ الجنوبي في الاستفادة من دعم الحركتَين الانفصاليتَين الجنوبيتَين (أو ما يُعرَف بالحراك الجنوبي) بقيادة علي سالم البيض وحسن باعوم، اللذين كانا ناشطَين بدرجاتٍ متفاوتة لأكثر من 18 عامًا، لكنْ من المُستَبعَد أن يتراجع المجلس بسهولة عن عمليات التجنيد ونشر القوات العسكرية.

 
ويسعى قسمٌ كبيرٌ من الحضارم اليوم إلى البحث عن بديلٍ للانفصال، وكذلك لنموذج الدولة المركزيَّة الذي أراد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي تغييره في العام 2014 عبر الانتقال إلى نظامٍ فيدراليٍّ. بعبارةٍ أخرى، تقف حضرموت على مفترق طرقٍ، عالقةً بين المشاريع السياسيَّة المتنافسة، بما في ذلك سعي المجلس الانتقاليِّ الجنوبيِّ إلى الانفصال، والنظام الفيدرالي غير المكتمل للحكومة اليمنيَّة، ودولة الحوثيِّين المركزيَّة الاستخراجيَّة المتخلِّفة. بالإضافة إلى ذلك، يثير استبعاد أو عدم مشاركة عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني تساؤلات عمَّا إذا كان "يمثِّل المحافظة من خلال نهج «حضرموت أولًا» أو المجلس الانتقاليِّ الجنوبي"، كما جاء في تصريح محلِّلٍ سياسيٍّ حضرمي لمعهد الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن قوَّات النخبة الحضرميَّة ومحافظة حضرموت بقيادة البحسني تجنَّبَتَا الانخراط في نزاعاتٍ بين الحكومة والمجلس الانتقاليِّ الجنوبي في العامَين 2019 و2020، بما في ذلك عندما أعلن المجلسُ الانتقاليُّ الجنوبي الإدارةَ الذاتيَّةَ قبل انضمام البحسني إلى صفوفه كنائبٍ للرئيس.
 
ووسط تعاظم الخلافات، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في أواخر حزيران/يونيو الماضي في الرياض بشخصيّاتٍ حضرميَّةٍ "تجسِّد حسَّ المسؤولية في إبعاد محافظتها والمناطق المحرَّرة فيها عن أيِّ نزاعٍ"، على حدِّ تعبيره، ثمَّ زار المحافظة بعد أيامٍ قليلةٍ لإظهار دعمه لها. ولم يلبث العليمي أن أعلن عن دعمه للحكم الذاتيِّ في حضرموت – آملًا أن يكون "نموذجًا تجريبيًّا للامركزية" - وأطلق حزمةً من المشاريع والبرامج بقيمة 1.2 مليار ريال سعودي (أي 320 مليون دولار)، بدعمٍ من البرنامج السعودي للتنمية وإعمار اليمن.
 
أما على الصعيد الخارجي، فجاءت مشاورات الرياض التي استضافتها المملكة العربيَّة السعوديَّة في منتصف العام 2023 وسط انقسامٍ سعوديٍّ-إماراتيٍّ متزايدٍ بشأن ملفاتٍ إقليميَّةٍ عدَّةٍ، بما في ذلك اليمن. ويبدو أنَّ تركيز المملكة العربيَّة السعوديَّة على دعم المجالس المحليَّة يشكِّل محاولةً منها لكسب دعمٍ إضافيٍّ، وتغيير ميزان القوى، واتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة التطوُّرات غير المؤاتية المُحتَمَلة. ونظرًا لقرب المملكة العربية السعودية الجغرافي من اليمن والعلاقات العميقة بين الشعبَيْن والمصالح الجيوسياسيَّة، حاولت الرياض موازنة النفوذ المتزايد لأبو ظبي وللمشروع الانفصالي الذي يدعمه المجلس الانتقالي الجنوبي وتقليصه. ويأتي ظهور علم الجمهورية اليمنية خلال إعلان تشكيل هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر دلالةً على ذلك، إلى جانب محاولات إعادة الانتشار التدريجي لقوات درع الوطن المدعومة من السعوديَّة في حضرموت.
 
في الوقت الحالي، تشترك قوَّات مدعومة من كلٍّ من الإمارات والسعودية في حفظ الأمن في حضرموت، في انعكاسٍ للمشهد العام. إذ تتولَّى قوَّاتُ النخبة الحضرميَّة، وهي قوَّةٌ محليَّةٌ تتألَّف من 30 ألف عنصر يتلقَّون التدريب والتمويل والتسليح من دولة الإمارات العربيَّة المتَّحِدة، مسؤوليَّةَ حفظ الأمن على طول الساحل بين محافظتَي المهرة وشبوة. وعلى الرغم من أن ميناء الضبة خارج الخدمة بسبب هجمات الحوثيِّين بالمُسيَّرات في العام 2022، تُبقي قوَّات النخبة الحضرميَّة الطريق الساحلي الأساسي بين الشحر والمكلا مغلقًا بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحًا لأسبابٍ أمنيَّةٍ، ما يجبر الأشخاص وشحنات البضائع على سلوك طريقٍ يمرُّ بمدينة غيل باوزير ويضيف ساعةً على رحلاتهم. وتتبع تلك الأماكن للمنطقة العسكرية الأولى، وهي منطقة إدارية تغطي الوادي والمناطق الداخليَّة في محافظة المهرة وتتلقَّى وحداتُها الدعمَ من الرياض.
 
الخطوات التالية
في حين أنَّ الدوافع النهائيَّة لمجلس حضرموت الوطني واستراتيجيته ورؤيته لم تتضح بعد، يسود الأمل في أن يضطلع بدورٍ جامعٍ وتنسيقيٍّ بين الحركات الحضرميَّة، على عكس المجلس الانتقاليِّ الجنوبي، الذي حاول توحيد مجموعةٍ كبيرةٍ من الكيانات الجنوبيَّة تحت قيادته. وقد وضع إطلاق ميثاق الشرف الحضرمي أساسًا شاملًا وتوافقيًّا للتعاون مع مجلس حضرموت الوطني، ونجحت العملية بفضل طابعها العمليِّ وقدرتها على معالجة المشاكل عند ظهورها. ويكشف التأخير في إعلان المجلس عن نظامه الأساسي ودستوره وهياكله التنظيميَّة ورؤيته عن قيود المشاركة التكتيكيَّة، ويثير تساؤلات حول توجُّه المجلس الاستراتيجي وموارده.
 
لم يتَّضح بعد ما إذا كان مجلس حضرموت الوطني سيُموَّل من مصادر حضرميَّة أو سعوديَّة، كما لم يُعرَف بعد ما إذا سيبقى المجلس كيانًا سياسيًّا سلميًّا أم سيمتلك جناحًا عسكريًّا، نظرًا للطبيعة الهجينة للمشاريع السياسيَّة الأخرى في البلد. كما أنه من غير الواضح، في ظلِّ تعدُّدِ الحركات الاجتماعيَّة والسياسيَّة الحضرميَّة، كيف ستضطلع الشخصيَّات العامَّة التي تنتمي إلى أكثر من حركةٍ بأدوارها ومسؤوليَّاتها، ناهيك عن كيفيَّة قيام المجلس بالتنسيق بين مختلف هذه الحركات؛ هذا إن توفَّر تأييدٌ كافٍ، بما في ذلك من القيادة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع. وفي حين لم يتَّضح بعد مستوى الدعم الشعبي لمجلس حضرموت الوطني، يراقب المجلسُ الانتقاليُّ الجنوبيُّ، الذي بات يضم ما لا يقلُّ عن 26 مجموعةً -بما في ذلك حركتَي علي سالم البيض وحسن باعوم الجنوبيتَين- التطورات بحذرٍ، فيقيِّم تداعياتها وربَّما يغيِّر نهجه على هذه الأساس.
 
هذا المشهد المُعقَّد وحالة اللايقين السائدة لهما آثارٌ متعدِّدةٌ في حضرموت وخارجها. أولًا، سيواجه الحضارم تحدِّياتٍ تطال وحدة صفِّهم نظرًا لحدَّةِ المنافسة، والإغراءات الاقتصاديَّة، والتنافس، على الصعيدَين المحلِّي والإقليمي. ثانيًا، تمسُّ الحاجة إلى رصد مسبِّبات النزاع عن كثبٍ، وركائز وقف التصعيد، وعمليَّات إعادة الانتشار العسكريِّ لتطوير آليات الإنذار المبكِّر وتجنُّب النزاع للحفاظ على السلام والاستقرار المحليَّين. ثالثًا، لا ينبغي الاستهانة بالمجلس الانتقاليِّ الجنوبي نظرًا لأهدافه وسعيه إلى بسط تأثيره ونفوذه. وينبغي على الجماعة أن تتجنَّب المضي قدمًا في التوسُّع العسكريِّ في حضرموت وإثارة مظالم الماضي، القديمة منها والأحدث عهدًا، خشية أن تخاطر بخسارة معركة كسب القلوب والتأييد المحلِّي، ناهيك عن فشلها في تطوير نموذج للأمن وتقديم الخدمات في عدن، ما أثار تساؤلاتٍ حول ما يمكنها تقديمه للناس، حتَّى مع مراعاة التفاوت في الموارد. رابعًا، من أجل ضمان تمثيلهم في أيِّ عملية سلامٍ شاملةٍ، على الحضارم أن يسعوا إلى تعزيز الدور الجامع والتنسيقي لمجلس حضرموت الوطني -أو أيّ بديل توافقيٍّ آخر- من خلال الحصول على موافقة أغلبيَّة الحركات الحضرميَّة الرئيسة، إن لم يكن كلُّها. خامسًا، من المُرجَّح أن يؤدي إنشاء المجالس الإقليميَّة، كما رأينا في الإعلان عن المجلس الموحَّد للمحافظات الشرقيَّة في كانون الثاني/يناير 2024، إلى تركيزٍ أكبر على السياسات القائمة على الهويَّة والجهود الرامية إلى ضمان الوصول الأكثر إنصافًا إلى الفرص والثروة والسلطة. لكن بالنسبة للحضارم، يبقى الاختبار الأهمُّ هو الإجابة على السؤال التالي: هل يشكِّل مجلس حضرموت الوطني خطوةً استراتيجيَّةً واستباقيَّةً، أم أنَّه ردَّة فعلٍ في ظلِّ المنافسة المحليَّة والإقليميَّة المحتدمة؟
_________________________
* نقلاً عن موقع معهد الشرق الأوسط .
إبراهيم جلال باحثٌ يمنيٌّ في مجال الأمن والنزاعات والدفاع. وهو باحثٌ غير مقيم في معهد الشرق الأـوسط وعضو مؤسّس مشارك في مجمع الفكر Security Distillery.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress



اقرأ ايضا :
< عبد الملك الحوثي يهدد بجولة رابعة من التصعيد
< تركيا تعلق جميع التعاملات التجارية مع إسرائيل
< اسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار والسعودي في صنعاء وعدن لليوم الخميس
< أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة
< الحوثيون يشيعون عدداً من عناصرهم ( الأسماء)
< قتلى وجرحى في اشتباكات بين مُسلحين قبلييّن وحملة أمنية مشتركة في الحدّ يافع
< بيان غريب لجامعة صنعاء يعلن فتح الجامعة أبوابها لإستيعات الأكاديميين والطلاب الأمريكيين !

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: